جحا والعالِم:
جاء أحد العلماء إلى تيمور لنك ، وقال له لقد جئت لأختبر علماؤكم، فجمع تيمور المثقفين وقال لهم: لقد جاءكم عالم أجنبي جوال يريد اختبار علمكم في العلوم الدنيوية، وإن لم يخرج أحدكم له لقال عنا أن علمائنا قليلون، وقلت هيبتنا بين الأمم، فتشاور العلماء فيما بينهم واستقروا على لإتيان بالشيخ نصر الدين جحا، ليس لعلم ولكن لمكره وحمقه، فأحضروا جحا وأخبروه بالأمر فأخبرهم أن يتركوا له المسألة.
في اليوم الموعود نصبت الخيام وتجهز حرس السلطان ودخل جحا المكان خلفه بعض تلاميذه، وقام العالم ليبدأ الاختبار، فرسم دائرة ثم أشار إلى جحا ورجع إلى مكانه، فقام جحا ورسم بعصاه خطاً يقسم الدائرة إلى نصفين متساويين ثم نظر إلى العالم، فأشار له بأن يكمل، فقسم جحا الدائرة إلى أربعة أرباع وأشار بأحدها إلى العالم وبالثلاثة الباقية لنفسه، فبدت على العالم نظرات الاندهاش وحيا جحا وقام ليقدم الاختبار الثاني. جهل العالم يده كالطوق وأصابعه مفتوحة وحركها جهة السماء والأرض عدة مرات، ثم وضع يده على الأرض وسار يقلد مشي الحيوانات، ثم أشار بيده إلى بطنه وكأنه يخرج منه شيئاً، فما كان من جحا إلا أن أخرج بيضة من جيبه وحركها بيده وكأنها تطير. فاندهش العالم لذلك كثيراً وحيا جحا وهنأ السلطان على وجود مثل هذا العالم القدير في بلاده، وسر السلطان والأشراف لذلك وأجزلوا العطايا لجحا، ثم سأل بعض الأشراف العالم عن معنى ما حدث ، فأجابهم: رسمت الأرض فقسمها لنصف الكرة الشمالي والجنوبي ثم قسمها إلى أربع وأشار بأحدها لي مشيراً لنسبة اليابس إلى الماء، فحركت يدي مشيراً لخيرات الأرض من نبات ومعادن فحرك يدم مشيراً لهطول الأمطار وأثرها وأثر الشمس والرياح في هذه الخيرات، ثم أشرت بالمبهم لتكاثر المخلوقات فوجدته قد فهم قصدي وأشار إلي بتلك البيضة دلالة على استكمال العملية. فتعجب الناس من فهم جحا لتلك الأمور فذهبوا ليستفسروا منه، فقال لهم: الرجل جوعان مثلي، رسم لي فطيرة فشطرتها نصفين ثم أربعاً وتركت له ربعاً واحداً فرضي، ثم أشار إلي بقِدرٍ فأضفت له البهار، ثم أمسك بطنه جوعاً فواسيته بأني جوعان مثله وفي الصباح لم أجد في البيت سوى بيضة لم أكلها بعد، فتعجب الناس من التفسيرين المختلفين وأخذوا يضحكون طويلاً.